موت محمد الماغوط لم يكن مفاجئا, فجميعنا كان يعلم سوء حالته الصحية في الآونة الأخيرة, لكنه مع ذلك كان موتا صادما. هذا ما يحصل دائما كلما رحل واحد من الكبار, فما نلبث أن نضجّ من جديد به, وبموته, وبما أبدعه خلال سنيِّ حياته, ونعود لنقرأه من جديد, وندرس أعماله من جديد, ونكرمه من جديد -هذا إن كان قد كرم سابقا- وهذه الحالة الأخيرة النادرة تنطبق بالطبع على الماغوط الذي تم تكريمه من قبل الدولة السورية قبل سنتين أو ثلاث, أي قبيل رحيله بقليل.
قبله رحل ممدوح عدوان وقبله سعد الله ونّوس وقبله نزار قبّاني, ورحل بعده بيوم عبد السلام العجيلي, وغدا أو بعد غد سيرحل علي الجندي وأدونيس وشوقي بغدادي وحنا مينة وفايز خضور وزكريا تامر.. لكي يفارقنا جيل إبداعي كامل ترك أثرا أدبيا هائلا على الأجيال اللاحقة, ولكن لم يكن أبدا في هذه الأجيال اسما بحجم الأسماء السابقة. وأعني بحجم الاسم هنا أي انتشارا وتأثيرا ولا أعني بالضرورة الحجم الإبداعي, فربما وجد اليوم مبدعون حقيقيون لا يقلون عنهم موهبة وإبداعا, ولكنهم غير معروفون لأسباب لا مجال لحصرها الآن وتتعلق بالفوارق في الأحوال السياسية والاجتماعية والثقافية بين الزمنين.لعلنا نتذكر الآن تلك اللقطة التسجيلية الفريدة لمحمد الماغوط عندما كان يقرأ كتابا بين يديه فتلقى خبر رحيل صديق عمره, قال له المتكلم في شريط الفيديو: ممدوح عدوان مات.. فالتفت إليه وسأل بصوت راجف: ممدوح؟. ممدوح؟. رددها مرتين وعاد ملتفتا إلى الكتاب ليتابع القراءة.. الأكيد هنا طبعا أنه لم يتابع القراءة ولكنه أيضا باعتقادي لم يحزن كثيرا -أو هكذا بدا- لأنه كان يدرك ربما أنه لاحق بصديقه عما قريب.
أقول هنا إن رحيله لم يكن مفاجئا ولكنه كان رحيلا صادما كأي رحيل عظيم. وصحيح أنني لم أبك لحظة سمعت نبأ رحيله -وهذه عادتي حين يصدمني موت من أحبهم- ولكنني في الحقيقة كدت أن أبكي.. فمحمد الماغوط الذي لم ألتق به في حياتي ارتبط اسمه وسيبقى مرتبطا بمسيرتي الشعرية المتواضعة ما حييت. مع العلم أنني كدت أن ألتقي به مرتين, مرة في حفل تأبين ممدوح عدوان, ومرة في حفل تسلمي (جائزة محمد الماغوط للشعر) العام الفائت, وطبعا فقد منعه المرض مرتين من الحضور.
كانت أمنيتي أن ألتقي به فقط لأقول له: إني أحبك مرتين يا سيدي.. لكنه فعلها ورحل مخلفا في نفسي حسرة أخرى تضاف إلى حسرتي القديمة بعدم لقاء نزار قباني. والمفارقة هنا أن هذين الشاعرين الذين لم ألتق بهما كانا هما الأحب على قلبي بأشعارهما, في حين أنني التقيت وعرفت عن قرب أدونيس وعلي الجندي وشوقي بغدادي وفايز خضور, وغيرهم من الشعراء الذين لم أحب أشعارهم بقدر ما أحببت هذين الشاعرين. ولكن على الرغم من هذا فإنني أعتبر نفسي محظوظا بأنني أتيت في جيل عاصر إلى حد ما جيل هؤلاء الكبار والتقى بأكثريتهم.
لقد أحببت محمد الماغوط مرتين, مرة لأنه واحد ممن نشأت في ظلالهم شعريا, ومرة أخرى لأن واحدا من دواويني يحمل جائزة باسمه. ولقد حزنت لرحيله مرتين, مرة لأنه رحل, ومرة لأنني لم أستطع إدراك لقاءه قبل هذا الرحيل.محمد الماغوط مات, نعم أيها السادة, لقد مات في ضوء قمر أحلامه التي لم تتحقق, فحملها معه إلى قبر بملايين الجدران..
قبله رحل ممدوح عدوان وقبله سعد الله ونّوس وقبله نزار قبّاني, ورحل بعده بيوم عبد السلام العجيلي, وغدا أو بعد غد سيرحل علي الجندي وأدونيس وشوقي بغدادي وحنا مينة وفايز خضور وزكريا تامر.. لكي يفارقنا جيل إبداعي كامل ترك أثرا أدبيا هائلا على الأجيال اللاحقة, ولكن لم يكن أبدا في هذه الأجيال اسما بحجم الأسماء السابقة. وأعني بحجم الاسم هنا أي انتشارا وتأثيرا ولا أعني بالضرورة الحجم الإبداعي, فربما وجد اليوم مبدعون حقيقيون لا يقلون عنهم موهبة وإبداعا, ولكنهم غير معروفون لأسباب لا مجال لحصرها الآن وتتعلق بالفوارق في الأحوال السياسية والاجتماعية والثقافية بين الزمنين.لعلنا نتذكر الآن تلك اللقطة التسجيلية الفريدة لمحمد الماغوط عندما كان يقرأ كتابا بين يديه فتلقى خبر رحيل صديق عمره, قال له المتكلم في شريط الفيديو: ممدوح عدوان مات.. فالتفت إليه وسأل بصوت راجف: ممدوح؟. ممدوح؟. رددها مرتين وعاد ملتفتا إلى الكتاب ليتابع القراءة.. الأكيد هنا طبعا أنه لم يتابع القراءة ولكنه أيضا باعتقادي لم يحزن كثيرا -أو هكذا بدا- لأنه كان يدرك ربما أنه لاحق بصديقه عما قريب.
أقول هنا إن رحيله لم يكن مفاجئا ولكنه كان رحيلا صادما كأي رحيل عظيم. وصحيح أنني لم أبك لحظة سمعت نبأ رحيله -وهذه عادتي حين يصدمني موت من أحبهم- ولكنني في الحقيقة كدت أن أبكي.. فمحمد الماغوط الذي لم ألتق به في حياتي ارتبط اسمه وسيبقى مرتبطا بمسيرتي الشعرية المتواضعة ما حييت. مع العلم أنني كدت أن ألتقي به مرتين, مرة في حفل تأبين ممدوح عدوان, ومرة في حفل تسلمي (جائزة محمد الماغوط للشعر) العام الفائت, وطبعا فقد منعه المرض مرتين من الحضور.
كانت أمنيتي أن ألتقي به فقط لأقول له: إني أحبك مرتين يا سيدي.. لكنه فعلها ورحل مخلفا في نفسي حسرة أخرى تضاف إلى حسرتي القديمة بعدم لقاء نزار قباني. والمفارقة هنا أن هذين الشاعرين الذين لم ألتق بهما كانا هما الأحب على قلبي بأشعارهما, في حين أنني التقيت وعرفت عن قرب أدونيس وعلي الجندي وشوقي بغدادي وفايز خضور, وغيرهم من الشعراء الذين لم أحب أشعارهم بقدر ما أحببت هذين الشاعرين. ولكن على الرغم من هذا فإنني أعتبر نفسي محظوظا بأنني أتيت في جيل عاصر إلى حد ما جيل هؤلاء الكبار والتقى بأكثريتهم.
لقد أحببت محمد الماغوط مرتين, مرة لأنه واحد ممن نشأت في ظلالهم شعريا, ومرة أخرى لأن واحدا من دواويني يحمل جائزة باسمه. ولقد حزنت لرحيله مرتين, مرة لأنه رحل, ومرة لأنني لم أستطع إدراك لقاءه قبل هذا الرحيل.محمد الماغوط مات, نعم أيها السادة, لقد مات في ضوء قمر أحلامه التي لم تتحقق, فحملها معه إلى قبر بملايين الجدران..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في موقع جدار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق