عندما أردت أن أستعير ديوان صلاح عبد الصبور كي أستعين به على استعادة المشاعر الأولى التي انتابتني وقت قراءته للمرة الأولى, فوجئت بأنني لست الوحيد الذي لم يعد يحتفظ بديوان هذا الشاعر الكبير, أصدقائي الشعراء وأصحاب المكتبات المنزلية الذين اتصلت بهم اليوم اتفقوا على إجابة واحدة تقريبا, فمنهم من أعاره بلا استعاده, ومنهم من لم يعد يذكر أن يضعه, ومنهم من لا يملكه, ومنهم من بحث عنه ولم يجده, وواحد قال بصراحة أنه تخلص من مجموعات عبد الصبور منذ زمن طويل.
يبدو أن صلاح عبد الصبور ليس من ذلك النوع من الشعراء الذين تحرص على الاحتفاظ بديوانهم, أو تواظب على إعادة قراءته بين وقت وآخر.. لقد استنتجت هذه الحقيقة القاسية اليوم بالذات عندما اتصلت بحوالي تسعة من أصدقائي المثقفين والكتاب في اللاذقية الذين لم أكن لأشك للحظة واحدة أنهم لا يملكون ديوانه. ربما تكون هذه محض مصادفة خالصة, وليست إحصائية علمية يجب أن يؤخذ بها, لكن هذه هي تجربتي الشخصية اليوم التي آلمتني جدا, وخصوصا أن صلاح عبد الصبور هو واحد من الشعراء الذين قرأتهم في بداياتي بحب خالص, وعشت أجواء قصائدهم بحميمية بالغة.
قررت إذن أن أكتب شهادتي هكذا بدون العودة إلى ديوانه, مستهلا إياها بهذا الاستنتاج الذي ينطبق علي شخصيا, فأنا حقيقة قد فقدت ديوانه ذو الغلاف الأحمر منذ حوالي عدة أعوام, ولا أمتلك اليوم من أعماله سوى مسرحية ليلى والمجنون المطبوعة ضمن سلسلة كتاب في جريدة, كما أعترف أنني لم أعد إلى قراءة قصيدة لصلاح عبد الصبور مرتين, ولم أستطع أن أكمل قراءة مسرحية واحدة من مسرحياته الشعرية, وبالنسبة للثانية فربما كان أحد الأسباب هو أنني أميل إلى مشاهدة المسرح أكثر بكثير مما أميل لقراءته. أما بالنسبة لشعره فربما كان السبب هو سوء الحظ لا أكثر, فأنا قرأت صلاح عبد الصبور تماما بعد انتهائي من قراءة بدر شاكر السياب, وكنت في تلك الفترة مجنونا بهذا الأخير, ومفتونا بسحره أيما افتتان, وربما لو أني كنت قد قرأته قبل السياب لتغير الوضع كثيرا. لأنني أعتقد أن شعره هو من النوع القادر على استلابك تماما ما لم تكن مأخوذا بشاعر آخر. وما أتذكره جيدا من انطباعاتي حول قراءتي صلاح عبد الصبور, هو تلك المباشرة الشديدة في التوصيف المشهدي في قصائده, وهذا ما لم أحببه كثيرا آنذاك, خصوصا بعد قراءة شعر السياب المليء بالصور والمجازات اللغوية. أتذكر أيضا ثراء قصائده بالتفاصيل اليومية التي كان يمثل استخدامها في الشعر في زمن صدورها مروقا وخروجا كبيرا على الشعر.
ولكننا مهما اختلفنا على هذا الشاعر الجميل, فإننا لا نستطيع أبدا أن ننكر أنه الشاعر الرائد الذي ترك لنا موعظة عظيمة جدا في الشعر العربي الحديث منذ ديوانه الأول "الناس في بلادي" الذي أثار ضجة كبيرة في مصر الخمسينات: وهي أنك تستطيع استخدام ما تشاء من الأدوات التعبيرية مهما يكن نوع قصيدتك التي تكتبها. فهو قد استخدم في شعره التفعيلة التفاصيل اليومية وأسلوب النقد الساخر -الأداتين اللتين اشتهرت بهما قصيدة النثر- في زمن كان مواكبا لولادات قصيدة التفعيلة تماما كمواكبته لولادات قصيدة النثر, ربما ليقول لنا أيضا إن ما من شيء في الإبداع هو حكر على مبدع.
يبدو أن صلاح عبد الصبور ليس من ذلك النوع من الشعراء الذين تحرص على الاحتفاظ بديوانهم, أو تواظب على إعادة قراءته بين وقت وآخر.. لقد استنتجت هذه الحقيقة القاسية اليوم بالذات عندما اتصلت بحوالي تسعة من أصدقائي المثقفين والكتاب في اللاذقية الذين لم أكن لأشك للحظة واحدة أنهم لا يملكون ديوانه. ربما تكون هذه محض مصادفة خالصة, وليست إحصائية علمية يجب أن يؤخذ بها, لكن هذه هي تجربتي الشخصية اليوم التي آلمتني جدا, وخصوصا أن صلاح عبد الصبور هو واحد من الشعراء الذين قرأتهم في بداياتي بحب خالص, وعشت أجواء قصائدهم بحميمية بالغة.
قررت إذن أن أكتب شهادتي هكذا بدون العودة إلى ديوانه, مستهلا إياها بهذا الاستنتاج الذي ينطبق علي شخصيا, فأنا حقيقة قد فقدت ديوانه ذو الغلاف الأحمر منذ حوالي عدة أعوام, ولا أمتلك اليوم من أعماله سوى مسرحية ليلى والمجنون المطبوعة ضمن سلسلة كتاب في جريدة, كما أعترف أنني لم أعد إلى قراءة قصيدة لصلاح عبد الصبور مرتين, ولم أستطع أن أكمل قراءة مسرحية واحدة من مسرحياته الشعرية, وبالنسبة للثانية فربما كان أحد الأسباب هو أنني أميل إلى مشاهدة المسرح أكثر بكثير مما أميل لقراءته. أما بالنسبة لشعره فربما كان السبب هو سوء الحظ لا أكثر, فأنا قرأت صلاح عبد الصبور تماما بعد انتهائي من قراءة بدر شاكر السياب, وكنت في تلك الفترة مجنونا بهذا الأخير, ومفتونا بسحره أيما افتتان, وربما لو أني كنت قد قرأته قبل السياب لتغير الوضع كثيرا. لأنني أعتقد أن شعره هو من النوع القادر على استلابك تماما ما لم تكن مأخوذا بشاعر آخر. وما أتذكره جيدا من انطباعاتي حول قراءتي صلاح عبد الصبور, هو تلك المباشرة الشديدة في التوصيف المشهدي في قصائده, وهذا ما لم أحببه كثيرا آنذاك, خصوصا بعد قراءة شعر السياب المليء بالصور والمجازات اللغوية. أتذكر أيضا ثراء قصائده بالتفاصيل اليومية التي كان يمثل استخدامها في الشعر في زمن صدورها مروقا وخروجا كبيرا على الشعر.
ولكننا مهما اختلفنا على هذا الشاعر الجميل, فإننا لا نستطيع أبدا أن ننكر أنه الشاعر الرائد الذي ترك لنا موعظة عظيمة جدا في الشعر العربي الحديث منذ ديوانه الأول "الناس في بلادي" الذي أثار ضجة كبيرة في مصر الخمسينات: وهي أنك تستطيع استخدام ما تشاء من الأدوات التعبيرية مهما يكن نوع قصيدتك التي تكتبها. فهو قد استخدم في شعره التفعيلة التفاصيل اليومية وأسلوب النقد الساخر -الأداتين اللتين اشتهرت بهما قصيدة النثر- في زمن كان مواكبا لولادات قصيدة التفعيلة تماما كمواكبته لولادات قصيدة النثر, ربما ليقول لنا أيضا إن ما من شيء في الإبداع هو حكر على مبدع.
ــــــــــــــــ
نشرت في مجلة نقد البيروتية - العدد الثاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق