الجسد والفن هما القداستان الوحيدتان بالنسبة لي في هذا العالم, هما هاجسي, وهما أصل شهواتي, وهما المبرران الوحيدان لاستمراري في الحياة. بالكاد أفكر في شيء آخر, كل الأشياء عداهما هي من لزوم ما لا يلزم, هي أشياء ربما تعمل في خدمتهما, هي أشياء أسخرها كي أستطيع التواصل معهما.
لقد كفرت منذ زمن طويل, كفرت بكل العقائد والأفكار والنظم والأخلاق السائدة, واستعنت بثقافتي الخاصة المتناقضة المشارب وبمخيلتي الملتهبة على استخلاص شريعتي الخاصة, ووضع نظامي الأخلاقي الخاص. لكنني في النهاية, وبعد فوات الأوان ربما, اكتشفت كم أصبحت المسافة هائلة ما بيني وبين الآخرين, بحار ومحيطات شاسعة تفصلني عن الدين والأعراف, وجبال ووديان لا حدود لها تفصلني عن أفكار وثقافة المجتمع وناسه, أما الفضاءات والمسافات الضوئية فهي ما يفصلني عن الفنانين والمثقفين.
الجسد والفن يعملان معا لخدمة بعضهما البعض في علاقة براغماتية, إنما شديدة الرفعة. لكنني أتطرق هنا إلى أداة أخرى لها من وجهة نظري النفسية علاقة وثيقة بالفن والجسد معا. إنها المرآة التي لا أستطيع التغاضي عن دورها بالغ الدقة والحقيقية في تصوير الجسد.
الفن يصف الجسد مستعينا بالمخيلة, لكنه وصف يتوخى المبالغة الجمالية. أما المرآة فتصوره بدقة مجردة تطابق الأصل, لكنها صورة معكوسة, فالنهد الأيمن يصبح نهدا أيسر, والذراع اليسرى تصبح الذراع اليمنى, وهكذا دواليك.. إذن هي تصور بأمانة مطلقة, لكنها صورة معكوسة وخائنة تماما, أما في الفن فقد يصبح النهد الأيمن ذراعا يسرى, والذراع اليمنى قد تصبح عينا وسطى أو ساق دلب أو عمود رخام, ولا حدود للاحتمالات. وهنا يغدو الوصف وصفا فوضويا شديد الكذب وبالغ الغرابة والجمال إن كان الفنان موهوبا.
الشعر لا يصور الجسد إنما يصور مديح الجسد, والمرآة تصور الجسد معكوسا, أما النحت والرسم فيستطيعان أن يحملا خواص كلتا الأداتين, النحت والرسم يستطيعان أن يصورا الجسد معكوسا, ويستطيعان أن يصورا الجسد كما تراه المخيلة بشكل يصل إلى السوريالية المطلقة, لكنهما كذلك يملكان خاصية إضافية كونهما يستطيعان أن ينقلا صورة طبق الأصل عن الجسد لا هي معكوسة ولا هي خيالية ولا سوريالية ولا انطباعية. لهذا ربما يلجأ نحات ما إلى التعامل مع المرآة إن كان لا يملك الـ muse أو النموذج الذي يستلهم منه عمله.
أما علاقة المرأة بالمرآة فهي علاقة جدلية جدا, وتحمل مختلف الأبعاد والمستويات الدلالية التي تتفاوت باختلاف ثقافة المرأة ومستوى جمالها ومقدار عشقها لجسدها. هناك امرأة تستخدم المرآة للزينة أو لإخفاء شوائبها, وهناك امرأة تستخدم المرآة لتتأمل جمال جسدها ولتزداد به فتنة وولها, وهناك امرأة تستخدم المرآة لتتذكر جسدها. وربما تستخدمها امرأة ما لتستلهم من جسدها عملا إبداعيا ما شعرا أو نحتا أو رسما. وكما يفعل البعض كنت أستخدم المرآة أحيانا أثناء ممارسة الحب مع المرأة, الأمر الذي كان يضاعف اللذة ثلاث مرات, المرة الأولى هي لذة الممارسة نفسها, والمرة الثانية هي لذة شعورك وأنت تراقب جسدين في حالة حب, والمرة الثالثة هي لذة شعورك بأن أحدا ما يراقبك وأنت في هذه الحالة. والمرآة هنا تضفي الكثير من الإباحية على المشهد, وتجعل حالة الانتهاك حالة علنية, حالة كشف وافتضاح, حالة ترتبط لا شعوريا بحالة مشاهدة أفلام البورنو ربما. يصبح دور المرآة هنا كبيرا أيضا بالنسبة للمرأة التي تعشق جسدها, إنه يريها جسدها في حالة الاشتعال والاستنزاف الجنسي, يريها جسدها وهو يؤدي دوره الجمالي في حالة الجنس. المرآة تصبح أمرا أساسيا في بعض مراحل الحياة, أمر يزيدنا معرفة بجسدنا, بتشكيلاته وتفاصيله, يجرنا إلى (دراسة مقارنة) مع أجساد الآخرين من كلا الجنسين, يرينا نقاط التشابه والاختلاف مع أبناء جنسنا ومع الجنس الآخر, ونقيس من خلاله مقدار ذكورتنا أو أنوثتنا. نحن لا نرى ظهورنا وقذالات رؤوسنا ومؤخراتنا إلا من خلال المرايا, وهي هنا الوسيط الوحيد والحصري بين عيوننا ورؤوسنا, إنها عيننا الثالثة, أو بشكل أدق, إنها عيننا الخلفية.
لكن علاقة المرأة بالمرآة هي أشد وأكثر حميمية من علاقة الرجل بها, ليس فقط من الناحية اللغوية الجناسية -وهذه العلاقة بالمناسبة علاقة تثير في داخلي الكثير من الأسئلة الصرفية والبلاغية واللسانية, ولم أعرف حتى الآن من أين وكيف جاءت- وإنما أيضا من الناحية الروحية, فالمرآة لدى كثير من النساء صديقة لا تبارح حقائبهن وغرفهن وطاولاتهن. وإذا ما تغيبت هذه الصديقة لسبب ما فإن المرأة تحس بارتباك وفراغ لن يستطيع ملئه إلا المرآة نفسها.
أعرف امرأة تستخدم آلة تصويرها لتصوير نفسها عارية في المرآة, وهي لا تنصب الكاميرا على عينها دائما, بل تنصبها مكان الفرج أحيانا, لتصبح الكاميرا هي الفرج الذي نرى من خلاله الجسد, أو ليصبح الفرج هو الكاميرا التي يطل من خلالها على الجسد. عين الكاميرا هنا مفتوحة كالفرج الذي يرى.. الكاميرا تسجل تفاصيل الجسد, والفرج يسجل تفاصيل الشهوة, وهكذا يصبح للفرج ذاكرته التي تشعل الحنين وتسترجع الشهوات التي أشبعت منها والتي لم تشبع بعد. فيما تتوسط المرآة هذه العلاقة الفنية لتجعل من الفرج الكاميرا التي تصور الجسد. هذه المرأة استطاعت أن تحول المرآة من أداة تصوير مجردة, إلى أداة فنية تنفث الروح في المشهد وتهبه حيوية فريدة. لكن يجب أن نعلم هنا أن هذه المرأة هي شاعرة أيضا.
المرأة التي تهجر المرآة, يقل جمالها يوما بعد يوم, تماما كالشاعر الذي يهجر الكتابة, وكالرسام الذي يهجر الألوان, لكن حالات الهجر هذه تكون مترافقة دائما بحالات الكآبة والانهيار النفسي والعاطفي, الحالات التي تقل فيها قيمة الذات لدى صاحبها, ويزدري فيها الفرد نفسه, وهي تشكل أحيانا نواة القرار الصعب بإنهاء الحياة على يد صاحبها نفسه.
أما أنا فما دام الجسد والفن هما القداستان الوحيدتان بالنسبة لي, فهذا يعني أن الحياة أمر مقدس كذلك, وبالتالي فإني لا أبشّر اليوم, أو بالأحرى, لا أفكر كثيرا, بموتي القريب..
ــــــــــــــــــــــ
لقد كفرت منذ زمن طويل, كفرت بكل العقائد والأفكار والنظم والأخلاق السائدة, واستعنت بثقافتي الخاصة المتناقضة المشارب وبمخيلتي الملتهبة على استخلاص شريعتي الخاصة, ووضع نظامي الأخلاقي الخاص. لكنني في النهاية, وبعد فوات الأوان ربما, اكتشفت كم أصبحت المسافة هائلة ما بيني وبين الآخرين, بحار ومحيطات شاسعة تفصلني عن الدين والأعراف, وجبال ووديان لا حدود لها تفصلني عن أفكار وثقافة المجتمع وناسه, أما الفضاءات والمسافات الضوئية فهي ما يفصلني عن الفنانين والمثقفين.
الجسد والفن يعملان معا لخدمة بعضهما البعض في علاقة براغماتية, إنما شديدة الرفعة. لكنني أتطرق هنا إلى أداة أخرى لها من وجهة نظري النفسية علاقة وثيقة بالفن والجسد معا. إنها المرآة التي لا أستطيع التغاضي عن دورها بالغ الدقة والحقيقية في تصوير الجسد.
الفن يصف الجسد مستعينا بالمخيلة, لكنه وصف يتوخى المبالغة الجمالية. أما المرآة فتصوره بدقة مجردة تطابق الأصل, لكنها صورة معكوسة, فالنهد الأيمن يصبح نهدا أيسر, والذراع اليسرى تصبح الذراع اليمنى, وهكذا دواليك.. إذن هي تصور بأمانة مطلقة, لكنها صورة معكوسة وخائنة تماما, أما في الفن فقد يصبح النهد الأيمن ذراعا يسرى, والذراع اليمنى قد تصبح عينا وسطى أو ساق دلب أو عمود رخام, ولا حدود للاحتمالات. وهنا يغدو الوصف وصفا فوضويا شديد الكذب وبالغ الغرابة والجمال إن كان الفنان موهوبا.
الشعر لا يصور الجسد إنما يصور مديح الجسد, والمرآة تصور الجسد معكوسا, أما النحت والرسم فيستطيعان أن يحملا خواص كلتا الأداتين, النحت والرسم يستطيعان أن يصورا الجسد معكوسا, ويستطيعان أن يصورا الجسد كما تراه المخيلة بشكل يصل إلى السوريالية المطلقة, لكنهما كذلك يملكان خاصية إضافية كونهما يستطيعان أن ينقلا صورة طبق الأصل عن الجسد لا هي معكوسة ولا هي خيالية ولا سوريالية ولا انطباعية. لهذا ربما يلجأ نحات ما إلى التعامل مع المرآة إن كان لا يملك الـ muse أو النموذج الذي يستلهم منه عمله.
أما علاقة المرأة بالمرآة فهي علاقة جدلية جدا, وتحمل مختلف الأبعاد والمستويات الدلالية التي تتفاوت باختلاف ثقافة المرأة ومستوى جمالها ومقدار عشقها لجسدها. هناك امرأة تستخدم المرآة للزينة أو لإخفاء شوائبها, وهناك امرأة تستخدم المرآة لتتأمل جمال جسدها ولتزداد به فتنة وولها, وهناك امرأة تستخدم المرآة لتتذكر جسدها. وربما تستخدمها امرأة ما لتستلهم من جسدها عملا إبداعيا ما شعرا أو نحتا أو رسما. وكما يفعل البعض كنت أستخدم المرآة أحيانا أثناء ممارسة الحب مع المرأة, الأمر الذي كان يضاعف اللذة ثلاث مرات, المرة الأولى هي لذة الممارسة نفسها, والمرة الثانية هي لذة شعورك وأنت تراقب جسدين في حالة حب, والمرة الثالثة هي لذة شعورك بأن أحدا ما يراقبك وأنت في هذه الحالة. والمرآة هنا تضفي الكثير من الإباحية على المشهد, وتجعل حالة الانتهاك حالة علنية, حالة كشف وافتضاح, حالة ترتبط لا شعوريا بحالة مشاهدة أفلام البورنو ربما. يصبح دور المرآة هنا كبيرا أيضا بالنسبة للمرأة التي تعشق جسدها, إنه يريها جسدها في حالة الاشتعال والاستنزاف الجنسي, يريها جسدها وهو يؤدي دوره الجمالي في حالة الجنس. المرآة تصبح أمرا أساسيا في بعض مراحل الحياة, أمر يزيدنا معرفة بجسدنا, بتشكيلاته وتفاصيله, يجرنا إلى (دراسة مقارنة) مع أجساد الآخرين من كلا الجنسين, يرينا نقاط التشابه والاختلاف مع أبناء جنسنا ومع الجنس الآخر, ونقيس من خلاله مقدار ذكورتنا أو أنوثتنا. نحن لا نرى ظهورنا وقذالات رؤوسنا ومؤخراتنا إلا من خلال المرايا, وهي هنا الوسيط الوحيد والحصري بين عيوننا ورؤوسنا, إنها عيننا الثالثة, أو بشكل أدق, إنها عيننا الخلفية.
لكن علاقة المرأة بالمرآة هي أشد وأكثر حميمية من علاقة الرجل بها, ليس فقط من الناحية اللغوية الجناسية -وهذه العلاقة بالمناسبة علاقة تثير في داخلي الكثير من الأسئلة الصرفية والبلاغية واللسانية, ولم أعرف حتى الآن من أين وكيف جاءت- وإنما أيضا من الناحية الروحية, فالمرآة لدى كثير من النساء صديقة لا تبارح حقائبهن وغرفهن وطاولاتهن. وإذا ما تغيبت هذه الصديقة لسبب ما فإن المرأة تحس بارتباك وفراغ لن يستطيع ملئه إلا المرآة نفسها.
أعرف امرأة تستخدم آلة تصويرها لتصوير نفسها عارية في المرآة, وهي لا تنصب الكاميرا على عينها دائما, بل تنصبها مكان الفرج أحيانا, لتصبح الكاميرا هي الفرج الذي نرى من خلاله الجسد, أو ليصبح الفرج هو الكاميرا التي يطل من خلالها على الجسد. عين الكاميرا هنا مفتوحة كالفرج الذي يرى.. الكاميرا تسجل تفاصيل الجسد, والفرج يسجل تفاصيل الشهوة, وهكذا يصبح للفرج ذاكرته التي تشعل الحنين وتسترجع الشهوات التي أشبعت منها والتي لم تشبع بعد. فيما تتوسط المرآة هذه العلاقة الفنية لتجعل من الفرج الكاميرا التي تصور الجسد. هذه المرأة استطاعت أن تحول المرآة من أداة تصوير مجردة, إلى أداة فنية تنفث الروح في المشهد وتهبه حيوية فريدة. لكن يجب أن نعلم هنا أن هذه المرأة هي شاعرة أيضا.
المرأة التي تهجر المرآة, يقل جمالها يوما بعد يوم, تماما كالشاعر الذي يهجر الكتابة, وكالرسام الذي يهجر الألوان, لكن حالات الهجر هذه تكون مترافقة دائما بحالات الكآبة والانهيار النفسي والعاطفي, الحالات التي تقل فيها قيمة الذات لدى صاحبها, ويزدري فيها الفرد نفسه, وهي تشكل أحيانا نواة القرار الصعب بإنهاء الحياة على يد صاحبها نفسه.
أما أنا فما دام الجسد والفن هما القداستان الوحيدتان بالنسبة لي, فهذا يعني أن الحياة أمر مقدس كذلك, وبالتالي فإني لا أبشّر اليوم, أو بالأحرى, لا أفكر كثيرا, بموتي القريب..
ــــــــــــــــــــــ
تمام التلاوي - موقع كيكا
هناك تعليقان (2):
ارجو من كاتب هذا المقال مقال النهد .... أن يراجع ما كتبه ... راجع حياتك كلها مشان تعرف اذا كنت صح او لا .. اتق الله وانا وات نعرف ان ربي وربك الله سبحانه اللي خلقك فلا تكابر يااخي وارجع لربك .. والله ما خلقنا في هذه الدنيا عبثا بل لهدف ارجو منك ان تفطن اليه ..
يامن بدنياه انشغل .. وغرّه طول الامل.. الموت يأتي فجأة ... والقبر صندوق العمل ...
الله يهدينا واياك
غيور
أكيد هاي الصوره ابزاز امك وعليه زبي وهو بيلعب بس طلع البزاز الزاكي
إرسال تعليق