الرسوم الرملية المتحركة من كارولين ليف إلى إيلانا ياهاف



يعتبر مصطلح "الرسوم الرملية المتحركة" من المصطلحات الحديثة في تاريخ الفن البشري, فهو يعبر عن نوع من الأداء الفني الحيّ الذي سُجّلت ريادته لأول مرة عام 1968م, على يديّ الأمريكية المبدعة كارولين ليف, إذ لم تكن قد تجاوزت العام الثاني والعشرين من عمرها بعد, حين قامت بوضع الرمال على صندوق مضاء ثم تلاعبت بيدها مع المكون الرملي لتنتج سلسلة من اللوحات أو الصور بطريقة أدهشت الحاضرين. كانت هذه السلسلة من الصور تمثل أول أفلامها في مجال الرسوم الرملية المتحركة والذي أطلقت عليه اسم "بيتر والذئب". تطور هذا الفن فيما بعد, حيث قامت كارولين ليف نفسها بوضع بعض الإضافات على فيلمها الثاني "أورفيو" عام 1972م, إذ أدت رسومها هذه المرة مباشرة على سطح زجاجي وتحت الكاميرا. كارولين ليف ما تزال حية اليوم, وتعيش في لندن كمدرّسة في الكلية الوطنية للتلفزيون والسينما, بعد أن أصبح في رصيدها عشرات الأفلام من الرسوم المتحركة والأفلام الوثائقية, بالإضافة إلى العديد من الجوائز الدولية.
منذ ذلك الوقت, بدأت الرسوم الرملية المتحركة بالانتشار بواسطة العديد من الفنانين حتى وصل إلى ذروته في وقتنا الحاضر, فأصبح يستخدم في مجال الإعلان, ويتم تداول بعض فقرات عروضه على مواقع الشبكة الفضائية وعلى أجهزة الهاتف المحمولة. وفي الحقيقة فإن الإبداع الحقيقي في هذا الفن تجلى على يد ثلاثة من أشهر الفنانين الذين ذاع صيتهم عالمياً وقدموا عروضاً مدهشةً في جميع أرجاء المعمورة وهم: إيلانا ياهاف التي سنتحدث عنها تالياً, والهنغاري فيرينك كاكو, والفرنسي ديفيد ميريام.
إيلانا ياهاف فنانة متعددة المواهب, فهي تجيد الرسم والنحت وكل ما يتعلق بالفنون ثلاثية الأبعاد, وهي تقدم عروضها اليوم حول العالم في سلسلة من المقاطع أو اللوحات الرملية مطلقة عليها اسم Sand Fantasy أو "مخيلة الرمال". ولعل ما يميز إيلانا عن باقي الفنانين في هذا المجال أنها تقوم بالرسم على الرمال مستخدمة أصابعها فقط, على عكس البقية الذي يستعينون أحيانا بالفرشاة أو بعض الأعواد الخاصة.
تقوم إيلانا ياهاف بنثر رمالها على سطح طاولة زجاجية مضاءة من الأسفل بضوء ثابت أو متعدد الألوان, ثم تبدأ بنسج رسومها على الرمل ترافقها الموسيقى والإضاءة المتعددة, فيما تقوم الكاميرا من الأعلى بتصوير حركات يديها الخفيفة والساحرة, ليتم تكبير الصورة أمام الجمهور عن طريق جهاز الإسقاط الرأسي. تخلق ياهاف تلك اللوحات البديعة وتبدع آفاقها ثلاثية الأبعاد, واحدة تلو الأخرى عن طريق تخريب السابقة لحساب الآتية, إلى أن تنتهي الموسيقى وسلسلة اللوحات في ذات الوقت. وفي الحقيقة فإنه من الصعب تقرير ما إذا كانت الموسيقى هي التي ترافق العمل, أم أن العكس هو ما يحصل, أي أن أصابع إيلانا هي التي ترقص على الرمال المتحركة فوق الزجاج على إيقاع الموسيقى الآسرة, منتجة تلك الحركية الديناميكية بجمالية حسية عظيمة. لقد كان لعرضها "مخيلة الرمال" وتحديدا فقرة "تعال إلى الحياة" حين قدمته أول مرة, أثرا خارقا على الحاضرين, كما قامت الموسيقى المختارة خصيصا لفقرة العرض, بإضفاء أثرها على مزاج الجمهور وصاحبت كامل العملية.
وبالإضافة إلى مقاطع الفيديو الفريدة والمنتشرة التي يمكن من خلال التفرج على إبداعات ياهاف, فقد أصدرت حديثاDVD جديد للأطفال بعنوان "الطفل الرملي". وهو عبارة عن عرض لسلسلة من اللوحات لأطفال في عالم سحري جذاب من الإبداع الفني, ترافقها الموسيقى الكلاسيكية المرحة والمؤثرات الصوتية اللعوبة المخصصة لتناسب أذن الطفل, والتي تم اختيارها وإبداعها من قبل الموسيقية ميراف جوزف ليفي لتشكل الخلفية الموسيقية لهذه المغامرة البصرية. هذا الفيض من "رقص الأيدي" الذي يتحدى المخيلة ويستثير الاستجابة متعددة الحواس, ملئ حقا بالمفاجآت الموسيقية والمؤثرات البصرية الفنية. ويبلغ طول الـ DVD 40 دقيقة ويشمل 12 قطعة من العروض تمثل أجمل ما أبدع في فن الرسوم بالرمال, في مشاهد لا يقل استمتاع الكبار بها عن أطفالهم. إن مشاهدة "الطفل الرملي" تعتبر تجربة آسرة لكل الأعمار وهو الـ DVD المثالي للمشاهدة من قبل جميع أفراد العائلة.
تقوم إيلانا برسم الوجوه والأشكال الطبيعية المتعددة بطريقة مدهشة حقاً وبسرعة تخال معها أن هناك سحرا ما تتم ممارسته, فخفة يديها ومرونة أصابعها وطريقتها البارعة في نثر الرمال, ومن ثم إنتاج تلك اللوحات والصور الجميلة عن طريق تمرير أصابعها بين الكثافات الرملية, تجعلك تظن لوهلة أنها لا تقوم بأكثر من لعبة عبثية لا هدف لها, وإذ بك تفاجأ في غضون لحظات بمدى جمال الأشكال الناجمة عن عملية "الحياكة" الرملية تلك.
يمكن الاستمتاع بمشاهدة العديد من العروض الجميلة لهذه الفنانة منتشرة على عشرات المواقع في الشبكة الإلكترونية. لكن الأهم من هذا كله, هو أن هذه العروض ستبقى محفورة في ذاكرة من يراها بشكل عصيّ على الزوال, حتى وإن كانت في الواقع عروضا من الرمال المتحركة التي تزول في لحظات, بواسطة ذات اليد التي تبدعها.

ـــــــــــ

تمام تلاوي جريدة أوان الكويتية 14/1/2008

هناك تعليق واحد:

shiraz يقول...

مرحبا بك سيدة تمام تلاوي
كنت قد شاهدت رسومات ل ايلانا ياهاف و قد اذهلتني حقيقة و بعد بحث وجدت مقالكم هذا عنها لكن للاسف لم اجد لها اصولا في تقريركم انما عن الاخرين نعم مثلا الهنغاري و الفرنسي الاصل فيا حبذا اعلامي بذلك لاني اتشوق لمعرفة المزيد عن هذه الفنانه الذكية
ولكم مني جزيل الشكر
شيراز